-->

الطب والغش: هل الغش يجعل المال حراما ؟

الغش في امتحانات الطب

الطب والغش: هل الغش يجعل المال حراما ؟

بينما يعتبر طالب المجال الطبي من أكثر الطلاب تعرضا للامتحانات مع ضيق الأوقات، وبينما تعد الامتحانات الطبية من الامتحانات الصعبة والغريبة أحيانا، وكما أن الجميع يعلم أن الدرجات في المجال الطبي وفي كلية الطب خصوصا لها تأثير كبير في المستقبل العملي لكل طالب، لنخرج سويا من تلك الأمور على الأقل بنتيجة واحدة تتلخص في أن الدرجة في كلية الطب لها قيمة عالية في التأثير عليك من نفسك وفي التأثير عليك من غيرك، وأن الأثر يدوم طويلا حتى قد يكون ملازما لكل حياتك المهنية التابعة أو المتأثرة بالطب.

وفي كل تلك الظروف تتشتت أقسام الطلاب إلى أقسام عدة، فهناك طالب يتغاضى عن كل الأمور ولا يكون نصب عينه إلا على الدرجة وحسب، ولهذا الطالب تفصيل كبير معنا، وهناك طالب آخر يتحير بين الدرجة وبين مبادئه، وهنالك ثالث ثابت على مبدأه، ولكن يرى أثر من وضعه هذا، والأخير هو نوع محافظ على المبادئ ولا يبالي بغيره من الطلاب، وقد يظن البعض أن هنالك صنف أفضل من غيره بين هذه الأقسام، ولكن في الحقيقة لكل تفصيل خاص به ليس هذا مجال تفصيله.

إلا أن كل هؤلاء الطلاب لهم علاقة كبيرة وأثر كبير إما منهم وإما عليهم من الغش الحاصل بين الطلاب، وسوف نأخذكم في السطور التالية للتنبيه على مخاطر الغش دينيا ودنيويا وأثره على الفرد وعلى المجتمع وأهم النصائح لتفادي هذا الأمر المذموم.

أثر الغش على الطلاب دنيويا

وعلى الرغم من أن الشائع أن من يغش يتحصل على درجات عالية وبالتالي فرص عالية في مجاله! إلا أن ما يخفى على الطلاب من نتاج الغش المدير لو علم لهم لكان الغاش هو أول الناس بعدا عنه، إذ أن الشائع أيضا أن أثر الغش إنما مقتصر على الطالب المسكين الذي لا يتحصل على أي درجة من الغش، ولكن الحقيقة تكمن في التالي:

أنت حينما تتحصل على درجة من الغش وبعيدا الآن عن التفاصيل الدينية المتعلقة بهذا الأمر، فأنت بهذه الدرجة قد تحصلت على ترتيب ومكانة ليست في الأصل من حقك ولا تناسب مستواك، وبهذه الدرجة فقد وضعت نفسك في منصب لم تكن كفأ له تبعا للتقييم الذي وضع من قبل مسؤولي كليتك.

وقبل أن يكون في هذا ظلم للمرضى ولأصدقائك وهو ما سنتناوله في العنصر القادم، فالغش ظلم لك!، فأنت لن تستطيع أن تواكب هذا المنصب وما يتطلبه من مهارة وكفاءة، ولقد تخليت عن المنصب والمستوى العملي المناسب لك ووضعت نفسك في مكانة أعلى من إمكانياتك ومهارتك، وهو ما سيجعلك تعاني بشدة لدرجة قد تصل بك إلى تترك العمل بالكلية، وذلك بعد ما كنت تتطلع إلى مكان ومنصب أعلى..

وبهذا تكون قد خسرت دنيتك، بينما صاحبك الذي آثر التخلي عن الغش ليتحصل على درجته كاملة قد وضع نفسه في منصبه ومكانه المناسب لقدراته ومهاراته! وسوف يحقق بإذن الله تعالى تبعا للمقدمات والنتائج العقلية نجاحا كبيرا وباهرا ما دام يطور من نفسه في حيز القدرات المتاحة له.

أثر الغش على الطلاب دينيا

وبينما حياة المسلم في كل كبيرة وصغيرة له إنما تدور وترجع إلى دينه وإسلامه، فإن الأحاديث التي وردت في ذم الغش وأهله كثيرة وطويلة وليس المقام تفصيلها، ولكن لنأخذ بيد طلاب الطب في جولة بسيطة عن نتيجة واحدة أو نتيجتين يتحصل عليهما كل طالب من الغش..

وتكمن الخطورة الكبرى في كون نظام الطب في مصر هو نظام واحد متداخل، فدفعة الطب في القصر العيني مع الأزهر مع عين شمس مع المنصورة مع الزقازيق إلى آخره، يتم دمجهم كلهم في نظام واحد وترتيب الطلاب تبعا للمجموع.

ولنفترض أنك حينما تغش سوف تحصل على مجموع كلي بنسبة 90 في المئة، وهو ما يوافق ترتيب رقم 2000 على مستوى طلاب الطب في دفعتك، بينما في الواقع وبدون غش فأنت تستطيع أن تحصل على مجموع 80 في المئة وهو ما يوافق ترتيب 5000 على مستوى الدفعة..

فبينما أنت تلهو ولا تعلم تجئ يوم القيامة وفي رقبتك ظلم لعدد من الأشخاص يصل إلى 3000 شخص!، وكل ذلك وأنت لا تدري، حينها فقط ستفقه تمام الفقه معنى قول الله تعالى: وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون..

وإن كان هذا المعنى كافيا لطلاب الطب ليزجرهم عن الغش بسبب نظام الكلية الذي قد لا يجد مثيل له أو مطابق في جل الكليات الأخرى، إلا أن المعاني لا تتوقف عند هذا الحد.

فأنت بينما أيضا تلهو ولا تبالي بما مضى، وبينما أنت فرح بالتخصص الذي تحصلت عليه (بمجموع الغش)، والمشفى الراقية الذي عينت فيها لتكمل تدريبك وعملك، لم تضع في حسبانك أنك تعمل في مكان ليس من حقك أنت، وتتحصل على مال مشبوه حرام ترى أثر حرمته في دنيتك من قدر ومصاعب لا تفهم ما سببها وما مصدرها، وكل ذلك أتاك من حيث لا تدري ولا تحتسب.. فجمعت على الظلم أكل لمال حرام وكلاهما من أمر ما يمكن أن يقع فيهما شخص.

هل الغش يجعل المال حرام

وبينما أشرنا إلى أن الغش يساهم في جعل مالك محرما بسبب ما قدمت وحصلت عليه وهو لا يحق لك، إلا أن تفصيل حرمة الغش من عدمه هي فتوى كاملة لها تفاصيل معينة، واختصارها أن التوبة من الغش وأن تكون متقنا في عملك وكفأ له يجعل ما مضى مغفورا لك بإذن الله، وإن أمكن أن ترد جزءا من الحقوق التي عليك وتوفر لذلك إمكان وسبل فافعل.

ولكن ما ننبه عليه أن من يقول سأغش، ولكن سأتوب عندما أتحصل على عملي فنعوذ بالله أن نكون من هؤلاء وهم أشبه بمن يخادع الله والذين آمنوا وما يخدع إلا نفسه، فمن يضمن لك يا مسكين أن تحيا حتى تتوب؟، ومن يضمن لك أن تتوب حينما تحصل على وظيفتك ولا يضطرك عملك لغش آخر جديد يجعلك في سلسلة من الغش المتتالي والذي ينغص عليك دينك ودنيتك إن كنت من ذوي القلوب، إن كان لك عقد مع ملك الموت على أن يؤخرك إلى أن تتوب فافعل.

وكل ما ذكرناه ليس إلا أفكار عامة بسيطة عن موضوع الغش وخصوصا بين طلاب الطب، ولن يسعنا مقال واحد حتى نبين موضوع الغش وآثاره وما جاء في الشريعة من أحاديث محذرة أشد التحذير منه، وفقط ننادي عليك أن احذر يا أخي، واحرص على أن يكون مالك طيبا حلالا، واحرص على أن تتبرأ من الظلم، وقبل أن تنظر للدنيا وما بها من نعيم وهمي زائل، فاحرص على الآخرة وما بها من نعيم دائم.

بواسطة: الدكتور محمد إبراهيم